Google tag

الأحد، 22 أبريل 2012

آفاق التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي الجزائري




الـمقـدمة
تتميز الكثير من الدول النامية بكونها مجتمعات ريفية بالدرجة الأولى، لذا تتجسد معظم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها هذه الدول في القطاع الريفي، لما يعانيه من جهل وفقر ولعل من أبرز السمات  التي تتميز بها الممارسات التنموية في الدول النامية هي في جقيقة الأمر سياسة تنموية مهتمة بالمجتمعات الحضرية أكثر من المجتمعات الريفية.
حيث اسحوذت قضية التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي على اهتمام المختصين على اختلاف انتماءاتهم العلمية والإيديولوجية، وما يزال هذا الاهتمام يتعاظم يوما بعد يوم، خاصة بعد أن اشتدت وطأة الصراع بين رواسب التخلف وآفاق التنمية وظهرت الحاجة الماسة إلى تنمية المجتمع المحلي – الريفي- والتنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي بإعتبارها إرادة التغيير التي يسعى بها المجتمع الريفي للإنتقال من الحالة السيئة التي عليها إلى وضع أفضل، هذا الواقع لا يتم بغير وجود دراسة قائمة على تخطيط علمي سليم([1]).
ونشير إلى أن مشاريع التنمية المحلية تخضع لجملة من الضوابط والنظم التي تستلزم ضرورة توحيد الجهود بين الأخصائي الاجتماعي ( المختص في الخدمة الاجتماعية ) والمنظمات المعنية المختلفة التي تعمل على مستوى المجتمع المحلي الريفي، حيث أن الخلاف بين هذه الجهات يؤدي حتماً إلى تشتيت الجهود وازدواج الوظائف وربما إلى انقسام أفراد المجتمع المحلي فيما بينهم.
وبالطبع هنا يتبادر إلى أذهاننا مجموعة من التساؤلات التي تفرض وجودها على ضوء ما تعيشه الجزائر من تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية والتي سنوجزها فيما يلي:
1-    كيف يمكن للأخصائي الاجتماعي المساهمة في التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي في ظل التحولات الحاصلة؟
2-    ما هو الأثر التبادلي بين  الخدمة الاجتماعية والتنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي الجزائري؟
3-    كيف يمكن للمواطنين المشاركة في مشاريع التنمية المحلية؟

    أهمية الدراسة :
يرجع اختيارنا لهذا الموضوع كمجال للدراسة إلى أمور عديدة يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1-  الحاجة الماسة في مجتمعنا الجزائري وبالأخص المجتمع الريفي إلى دراسات علمية تحاول تحديد أبعاد التنمية الريفية، وأسها النظرية، وتساهم في إبراز بعض الاعتبارات الهامة التي ينبغي أن توضع في الحسبان عند وضع استراتيجية علمية لتنمية المجتمع الريفي وتطويره.
2-  افتقار المكتبة الجزائرية لمثل هذه البحوث خاصة النظرية منها، لكون التخصص في الخدمة الاجتماعية جديد على مستوى الجامعات الجزائرية
3-  المساعدة على رسم السياسة العامة التية تضعها الدولة الجزائرية لإنهاض المجتمع الريفي أو تطويره، وكذا الحصول على تأييد الرأي العام في المسائل المتعلقة بمدى مساهمة الخدمة الاجتماعية في التنمية الشاملة للمجتمع الريفي الجزائري.     
4-    التعرف على ممارسات الخدمة الاجتماعية في التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي.
5-  التوصل إلى نتائج نظرية، تمكننا من فهم الأثر التبادلي بين الخدمة الاجتماعية بصفتها مجال ميداني أكثر منه نظري وبين التنمية الاجتماعية بصفتها مجال نظري أكثر منه ميداني.
ولقد قدمت هذه الورقة البحثية في أربع محاور نوجزها فيما يلي:
المحور الأول: مضمون الخدمة الاجتماعية تجاه التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي.
المحور الثاني: آفاق التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي.
المحور الثالث: آليات الخدمة الاجتماعية في التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي.
المحور الرابع: مشاركة المواطنين في التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي.
من هنا كان هذا البحث ليُعطي نَفَس جديد لمختلف أبعاد التنمية الشاملة من المنظور السوسيولوجي، وسنستعرض هذه المحاور مبرزين مختلف الآراء والضوابط التي تسيّر عمليات التنمية بكل فروعها .

المحور الأول: مضمون الخدمة الاجتماعية تجاه التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي:

               قبل الولوج لموضوع الخدمة الاجتماعية وجب علينا التعريف بتنمية المجتمع الريفي  :
حيث تعددت تعريفاتها واختلفت فيما بينها، ويرجع ذلك إلى النظر للتنمية المحلية الريفية منظور جزئي وقطاعي، فهناك من يحددها باعتبارها عملية تعليمية أو أنها مدرسة للديمقراطية أو أنها تنمية زراعية أو حتى  تنمية اجتماعية ..، ولكن في حقيقة الأمر فإن تنمية المجتمع الريفي تتضمن كل تلك العناصر.
               فقد عرف البنك الدولي التنمية الريفية على أنها (( إستراتيجية مصممة بهدف تطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية لمجموعة من الناس : هم فقراء الريف وتتضمن هذه الإستراتيجية توسيع منافع التنمية حتى تشمل من هم أكثر فقراً بين الساعين لرزقهم في المناطق الريفيةـ وتمتد أهداف التنمية الريفية إلى ما هو أبعد من أي قطاع محدد، فهي تشمل تطوير الإنتاج وزيادة فرص العمل مما يحقق بالتالي مداخيل عالية للجماعات المستهدفة بالإضافة إلى تحقيق حد أدنى من مستويات الغذاء والمأوى والتعليم والصحة([2]))).
               من الواضح أن هذا التعريف ركز على الفئة الفقيرة المحرومة والتي عانت من ظروف التخلف ردحاً طويلاً من الزمن، وهو يؤكد على تكامل وشمولية خطط وبرامج التنمية الريفية وتكاملها، ولقد استطرد "نيرر Nyerere" في توضيح مفهومه من خلال تحديده للعنصرين التالين :
أ‌-   إن سياسة التنمية الريفية ترتبط بالضرورة بالسياسة العامة للمجتمع، وأن التنمية الريفية تتطلب التنسيق بين سياسات الوزارات المختلفة والذي يتطلب تحديد إستراتيجية متكاملة للتنمية.
ب‌- إن زيادة قدرة أفراد المجتمع المحلي على التنمية هي زيادة من قوتهم لمواجهة المشكلات، لأن ذلك يعطيهم القدرة على التحكم في أنشطتهم التي تحدث في مجتمعاتهم المحلية الريفية، وعلى إحداث الضغط الفعال على السلطات المحلية والولائية، وسوف يكونوا مشاركين في التخطيط والتنفيذ والمتابعة لمشاريع التنمية([3])       
      ومنه يمكن أن نحدد عناصر التنمية الريفية التي نحن بصدد دراستها على ضوء التغيرات الحاصلة في الجزائر بصفة عامة فيما يلي:
-    التنمية الريفية ضرورة حتمية أملتها الجذور والأبعاد التاريخية التي عاشتها المجتمعات الريفية المحلية وذلك بدراسة المشكلات التي تحيط بها.
-         التنمية الريفية عمليات تهدف إلى تحقيق تغيرات فكرية وسلوكية وتحقيق تغييرات مادية في المجتمع الريفي.
-    التنمية الريفية المتكاملة تشمل جميع الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والإدارية في صورة شاملة ومتوازنة.
كما أنه يجب أن تقوم التنمية الريفية على الأسس التالية :
-         الاهتمام والاستفادة الكاملة والفعالة للموارد البشرية والمادية في الريف.
-         تحديد الأهداف بالاعتماد على الجهد التعاوني.
-         الدراسة لكل الحقائق والخصائص للمجتمع الريفي.
-         إتاحة الفرصة الكاملة لمشاركة أفراد المجتمع المحلي في برامج التنمية.
ونرى أن الاتجاه التكاملي في التخطيط للتنمية الريفية يجب أن يكون مراعياً لعدة اعتبارات من أهمها:    
-    أن تكون برامج التنمية متعددة الأغراض، أي تعمل على رفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمجتمع بطريقة متوازنة وكذلك النهوض بالجوانب الحضارية المادية وغير المادية بدرجة واحدة.
-    أن تكون برامج التنمية متعددة الأساليب، أي عند رسم برامج التنمية يجب أن ترسم هذه البرامج على أساس الاستفادة من كافة الإمكانيات المحلية والإمكانيات التي يمكن الاستعانة بها من الخارج مثل إعانات الاتحاد الأوروبي، أو إعانة البنك العالمي، أو غيرها من مصادر الإمكانيات الأخرى
-    أن تعمل برامج التنمية على إفادة جميع الفئات التي لها أهمية في حياة المجتمع في اللجان الخاصة بالتنمية على نطاق المشروع.
-         يجب العمل على استكمال برامج المؤسسات ذات الطابع الاجتماعي  وتقويتها عند تنفيذ برامج التنمية.
كما أننا نرى أن أي تخطيط لأي برنامج تنموي ريفي يجب أن يتبع الترتيب التالي :
v    الاحتياجات التي يشعر أفراد المجتمع بأنها احتياجات أساسية ويجب البدء فيها.
v  البدء بالمشاريع التي لا تتعارض بأي شكل من الأشكال مع التقاليد والعادات الموجود في المجتمع المحلي، والتي يجد إجماع على قبولها.
v  أن يبدأ ببرامج التنمية المرتبطة بخطط التنمية الذاتية المسطرة سابقاً حتى تعتبر هذه البرامج مكملة ومساندة للسياسة الإصلاحية التي انتهجتها الجزائر.

§  مفهوم الخدمة الاجتماعية
               الخدمة الاجتماعية مصطلح يستخدم لوصف عدد متنوع من الطرق المنتظمة لمساعدة الناس الذين يحتاجون لشيء لا يستطيعون الحصول عليه دون مساعدة.([4])
ولقد مال تنظيم الخدمة الاجتماعية إلى الارتباط بحاجات أو مشاكل نوعية، كالفقر والجُناح وذوي الاحتياجات الخاصة، وكانت الهيئات التطوعية – الجمعيات الخيرية الوطنية، الهلال الأحمر وغيرها من المنظمات غير الحكومية - أول من حاولت تقديم المساعدة على أساس مُطرد.
وهي تعتبر مهنة نبيلة و حديثة – في وطننا العربي وبالأخص في الجزائر - بالرغم من امتداد جذورها إلى أزمان بعيدة، حيث كانت الدوافع الإنسانية ومازالت تلعب دوراً كبيراً في حث الأفراد والجماعات على مساعدة الضعفاء وغيرهم من ذوي الحاجة.
وهي تهدف إلى مساعدة الأفراد والجماعات والمجتمعات على بلوغ أقصى درجة ممكنة من الرفاهية الاجتماعية، وهي تستخدم في سبيل ذلك أساليب مهنية خاصة تختلف عن المهن الأخرى، فمن خصائصها أنها تقوم برعاية كل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية والبيئية التي تؤثر على حياة الفرد والجماعات والمجتمعات المحلية وهي بالتالي أصبحت ذات نشاط مهني مزدوج، حيث أنها لا تستهدف الأفراد والجماعات فحسب بل تهدف أيضاَ إلى تحسين ظروف العمل والسعي وراء إصدار تشريعات اجتماعية عاجلة، وهو ما يعرف الآن بالاتجاه التنموي لمهنة الأخصائي الاجتماعي.
حيث تعد الخدمة الاجتماعية التنموية نوع من الممارسة المهنية تتعامل مباشرة مع تحديات التنمية، وتساهم بإيجابية وفعالية في رفع مستوى المواطنين اقتصاديا واجتماعياً باطراد في زيادة متوسط الدخل للفرد، ومنه يمكن أن نحدد الخدمة الاجتماعية بأنها الممارسة المهنية التي تتخذ من أهداف التنمية في المجتمع أهدافاً تسعى هي الأخرى إلى المساهمة في تحقيقها.
وإذا كانت الظروف و أوضاع الدول النامية – وبالخصوص الجزائر- تعطي الأولوية للأخذ بالاتجاهات التنموية في ممارسة الخدمة الاجتماعية إلى جانب الاتجاه الوقائي والعلاجي وصولاً إلى تحسين أحوال هذه المجتمعات فإن هذا الاتجاه يتضمن تحقيق مستويات لتنمية الإنسان اقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً إلى مستوى الإنسان العصري الحديث، وفي رأيي الأسباب الكامنة وراء الأخذ بهذا الاتجاه يكمن في الجوانب التالية:
1-  يتعرض المجتمع الجزائري لعمليات تغيير مقصود ومخطط فيما يعرف بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية لذلك ليس هو بالمجتمع الذي يريد الحفاظ على الوضع الراهن كما هو.
2-  تحاول جهود التنمية حالياً تغيير الأنظمة الاجتماعية لصالح الفئات الأقل دخلاً وهذا يدعوا إلى توجيه نشاط الرعاية الاجتماعية للفئات المحرومة- ذوي الاحتياجات الخاصة -  والأقل دخلاً.
3-  تلقي الخدمة الاجتماعية ممثلة في الأخصائي الاجتماعي بثقلها في تنمية الموارد الإنسانية عن طريق تدعيم وتقوية حياة الأسرة وإعداد الأهالي لتحسين أحوالهم من خلال الإسهام في عمليات التنمية المحلية للريف الجزائري بالخصوص.
4-  تساهم الخدمة الاجتماعية التنموية في دفع قوة فاعلية المشاركة والاستفادة من جهود المواطنين للإسهام في خطة التنمية المحلية، ويتحقق ذلك من جهود ها بالمساهمة في إيقاظ وعي الأهالي، كما تسهم في إيجاد علاقات للتعاون والفهم المتبادل بين السلطات والأهالي.
5-  تساهم الخدمة الاجتماعية في تحديد الاحتياجات والمشكلات التي تعاني منها السكان وتنمية إمكانيتهم وقدراتهم لمواجهة هذه المشكلات وإشباع هذه الاحتياجات.
6-  استثمار الموارد البشرية عن طريق تنظيم الجماهير كي توفر لنفسها بمختلف الوسائل المشروعة ما تحتاجه من خدمات([5])  
ومنه نحدد أهم العمليات الاجتماعية الأساسية التي تتضمنها تنمية المجتمع المحلي الجزائري وترتبط إرتباطاً وثيقاً بالخدمة الاجتماعية وهي كالتالي:
‌أ-  طرق وأساليب التعرف على المجتمع الريفي، والتعرف على أعضاء السلطة المحلية – ونقصد به الأعيان، رئيس المجلس الشعبي البلدي، ممثلي المجتمع المدني...
‌ب- مساعدة الأهالي على مناقشة مشكلاتهم والإفصاح عن معاناتهم، وكذا مساعدتهم على الوصول إلى تحديد المشكلات التي يعاني منها مجتمعهم المحلي بحدة.
‌ج-  دعم ثقة الأهالي بأنفسهم أي بث الرغبة في المواجهة وإبداء رأيهم بطريقة موضوعية وبعيدة عن أي ضغوط أو ممارسات خارجة عن نطاقهم.
‌د-   مساعدة الأهالي على اتخاذ القرارات حول خطط العمل المناسبة ونقصد هنا بعملية المشاركة في تحديد البرامج ومشروعات التنمية.
‌ه-   التعرف على مَوَاطِن القوة والضعف على مستوى البرامج والمشاريع، وحث الأهالي على الاستمرار في بذل المزيد من الجهود قصد حل المشكلات التي يعانون منها، وتحقيق الرفاهية الاجتماعية.
‌و-  زيادة قدرة الأهالي على مساعدة أنفسهم بأنفسهم، أي الاعتماد على أنفسهم في تحقيق احتياجاتهم وكذا القيام بواجباتهم وحتى الاستفادة من حقوقهم([6])

المحور الثاني: آفاق التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي:

يمكن تحديد آفاق التنمية الاجتماعية في ثلاثة عناصر أساسية هي: تغيير بنائي أو بنياني، الدفعة القوية، وإستراتيجية ملائمة، وهذه العناصر الثلاثة مجتمعة تعتبر ضرورية للتنمية الاجتماعية ولازمة لها وبدونها لا تتحقق لها مقومات النجاح.
1-التغيير البنائي أو البنياني:

يقصد بالتغيير البنائي ذلك النوع من التغيير الذي يستلزم ظهور أدوار وتنظيمات اجتماعية جديدة تختلف اختلافا نوعيا عن الأدوار والتنظيمات القائمة في المجتمع، ويقتضي هذا النوع من التغيير حدوث تحول كبير في الظواهر والنظم والعلاقات السائدة في المجتمع، أي في حجمه وفي تركيب أجزائه وشكل تنظيمه الاجتماعي.
         والتغيير البنائي هو الذي يرتبط بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فمن الصعب أن تحدث التنمية في مجتمع متخلف اجتماعيا دون أن يتغير البناء الاجتماعي لذلك المجتمع، فقد ورثت الدول النامية كثيراً من المشكلات التي ترسبت وتراكمت عبر السنين، وأصبحت تمثل خصائصها كالثنائية الاقتصادية والتكنولوجية، وسيادة الطابع الزراعي عليها والتفاوت الكبير في توزيع الثروة والدخل، وسيطرة أفراد الطبقة العليا على جهاز الحكم والسلطة، وانخفاض المستويات التعليمية.
         كل هذه الخصائص تمثل تحديات بالنسبة للدول النامية، ولا يمكن تحقيق تنمية شاملة دون إحداث تغييرات بنائية لها صفة العمق والجذرية ولها طابع الشمول والامتداد – أما الطابع الذي يعالج الأوضاع معالجة سطحية ويضع حلولاً جزئية ومؤقتة للمشكلات الاجتماعية في البلاد النامية دون أن يستأصل الأوضاع القديمة من جذورها، بحث لا يغير البناء الاجتماعي  في تلك الدول تغييراً جذرياً فلن تتحقق لهم مقومات النجاح([7]).
وعلى ذلك نجد أن التغيير البنائي واحد من مجموعة عناصر لازمة للتنمية، بدونه لا يتسنى للبلاد النامية أن تتخلص من المشكلة الاجتماعية التي ترسبت عبر السنين والتي أصبحت تمثل تحديات أمام حكومات هذه البلاد.

2-    الدفعة القوية:
        
لا بد لخروج المجتمعات النامية من المستويات المتخلفة فيها، ومن حدوث دفعة قوية أو مجموعة من الدفعات القوية يتسنى بمقتضاها الخروج من حالة الركود، وهذه الدفعة أو الدفعات القوية لا زمة لإحداث تغيرات كيفية في المجتمع ولإحداث تقدم في أسرع وقت ممكن.
         وتعتبر حكومات الدول النامية هي المسئولة – مسئولية -  قد تكون كاملة عن إحداث الدفعة القوية فهي التي تملك إمكانيات التغيير، وهي المسئولة عن ضمان حد أدنى لمستويات المعيشة للأفراد، ويمكن أن تحدث أيضاً هذه الدفعة في المجال الاجتماعي بإحداث تغييرات تقلل التفاوت في الثروات والمداخيل بين المواطنين، وبتوزيع الخدمات توزيعاً عادلاً بين الأفراد، ويجعل التعليم إلزامياً ومجانياً كما هو معمول به في الجزائر وبتأمين العلاج ( هناك بطاقة استحدثت في الجزائر سُميت: بطاقة الشفاء ) والتوسع في مشاريع الإسكان وغير ذلك من المشاريع التي تتعلق بالخدمات([8])
       وللحد من الأمية بين الكبار في السن فإنه من الممكن تحقيق الدفعة القوية عن طريق تعبئة كافة الطاقات والإمكانيات الموجودة، والاستعانة بالشباب الجامعي في المناطق الريفية والحضرية وتجنيده في حملات محو الأمية- تحت رعاية وتسيير مديريات التربية -  ، وبواسطة وسائل الإعلام أيضاً في إعداد برامج محو الأمية وسن قوانين ذات صلة بتشغيل العمال في القطاعات الصناعية أو الخدماتية التي تشترط على العامل إجادة الكتابة والقراءة...
         والدفعة القوية التي تحدث في المجال الاقتصادي والتي لا تصاحبها دفعة مماثلة في المجال الاجتماعي تترتب عليها هوة ثقافية كبيرة وأزمات ضخمة أقل أضرارها مقاومة التغيير الذي يحدث في الجوانب الاقتصادية، ووضع العقبات والعراقيل عن طريق هذا التغيير بشكل يهدد نجاحه ويضعف من فعاليته.
         بالإضافة إلى ذلك فإن التنمية الاقتصادية ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالتنمية الاجتماعية، فعلى سبيل المثال تتطلب الخطط الاقتصادية من خطة التعليم القوى البشرية المدربة، وتتطلب من خطة الإسكان أن تعمل على سد الحاجات السكنية للعاملين في مواقع العمل وكذلك بالنسبة لباقي الخطط الاجتماعية المختلفة.
         ثم إن ارتفاع مستويات الخدمات العامة يؤثر تأثيراً واضحاً في برامج التنمية الاقتصادية ويؤدي إلى زيادة الكفاية الإنتاجية للفرد، فارتفاع المستوى الثقافي و الصحي للعامل وعدم تعرضه للإجهاد يزيد من طاقته وقدرته في العمل، كما يؤدي إلى زيادة الإتقان في العمل.
       لذا فمن الضروري إيجاد نوع من التوازن والتكامل بين الجانبين الاقتصادي والاجتماعي بحيث تكون الخطط متكاملة في وظيفتها، متوازنة في أهدافها، ومتفاعلة نحو تحقيق هدف مشترك([9]).   

4-  الإستراتيجية الملائمة: 

       ويقصد بها الإطار العام أو الخطط العريضة التي ترسمها السياسة التنموية في الانتقال من حالة التخلف إلى حالة النمو الذاتي، وتختلف الإستراتيجية عن التقنية التي تعني الاستخدام الصحيح للوسائل المتاحة لتحقيق الهدف.
         ولكي يتم استخدام هذه الوسائل استخداماً صحيحاً لابد وأن تكون هذه الوسائل موزعة وفقاً لخطة جيدة الإعداد من شأنها تمكن واضع التقنية من أن يستغل جميع الأدوات التي تحت تصرفه استغلالاً حسناً.
       وينبغي أن تقوم إستراتيجيات التنمية في البلاد النامية على أساس تدخل الدولة في مختلف الشؤون، بحيث توجه النشاط الاقتصادي نحو تحقيق أهداف اجتماعية عادلة، وبحيث تسعى لتحقيق مستوى أعلى من الرفاهية والرقي بالنسبة لكل فئات المجتمع.
         كما ينبغي أن نشير في هذا الصدد إلى وجوب قيام إستراتيجية التنمية الاجتماعية على أساس التكامل والتعاون بين كل من التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، أي تحقيق التوازن بين رأس المال البشري ورأس المال المادي ( التنمية الشاملة ).
         وتتوقف الإستراتيجية المختارة على العديد من الاعتبارات أهمها:
·   طبيعة الظروف عند بدء التنمية من حيث درجة التخلف، نوع الاستعمار الذي كان يحتل البلد، الفترة الزمنية التي مرت منذ حصول الدولة على استقلالها ونوع الحكم السائد في بلد بعد تحرره، درجة الاستقرار السياسي ونوعية الإدارة وشكل الجهاز الحكومي وطبيعة النظام الاقتصادي ونوعية التركيب الطبقي، وحجم المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، وتركيب المجتمع من حيث السكان ومستويات التعليم والصحة والقيم السائدة في المجتمع([10])
·   طبيعة الأهداف المنشودة، فهناك أهداف بعيدة يراد الوصول إليها في المدى البعيد، وأهداف مرحلية يراد الوصول إليها في المدى القريب.
ونجد أن الأهداف الاجتماعية للتنمية التي نصت عليها معظم الخطط في البلاد النامية تتمركز حول توفير فرص العمل لفئات المجتمع، تقليل التفاوت في توزيع الثروة وتحسين الدخل، رفع مستويات المعيشة.
·    إن تحديد دور السلطات العمومية  في التنمية الاجتماعية، و دور المجتمعات المحلية
( المجتمع المدني) والجهود الذاتية يمكن أن تساهم في عملية التنمية، فمع ضرورة قيام الحكومة وأجهزتها المختلفة بالدور الفعال في عملية التنمية في البلاد النامية إلا أن من الضروري أيضاً المشاركة الفعالة في برامج التنمية الاجتماعية سواء من ناحية التمويل أو الإدارة أو المتابعة أو التقويم، وعلى ذلك يلزم باستمرار تحديد البرامج والخدمات التي تلتزم بها الدولة، والخدمات التي تتم على المستوى المحلي وتشترك في السلطات المعنية بالمساعدات الفنية والمالية وكذلك العمال
التي تعالج بالجهود الذاتية ([11]) .





المحور الثالث: آليات الخدمة الاجتماعية في التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي

إن الخدمة الاجتماعية باعتبارها ممارسة مهنية, و أداة و وسيلة لتحقيق تنمية المجتمع الريفي وذلك من حيث اهتمامها بالعلاقات الاجتماعية و اعتمادها على الحقائق العلمية وهي بذلك تقدم خدمات مباشرة للأفراد و المجتمعات بصفة عـــــــــامة.
و تشكل في نفس الوقت كل أنشطة التنمية الاجتماعية ولها دور أساسي في مساعدة الأفراد و الجماعات على التكيف مع المجتمع.
من خلال ما سبق يمكن لنا أن نحدد الأثر التبادلي بين الخدمة الاجتماعية و تنمية المجتمع الريفي الجزائري كما يلي:
    1)-    هناك ارتباط واضح بين الخدمة الاجتماعية و تنمية المجتمع الريفي لان كلاهما يؤمنان بمجموعة من الأخلاقيات و القيم الأساسية في ممارسة العمل و تجسد هذه الأخيرة في الاعتراف بكرامة الفرد و التعاون بين جميع الوحدات الإنسانية وهي تضبط على كل من أخصائي الخدمة الاجتماعية و أخصائي التنمية في تعامله مع الوحدات الاجتماعية و هذا الاعتراف بكرامة الفرد يعد القاعدة التي تقوم عليها التغيرات التي يرجى إحداثها غي اتجاهات وقيم و سلوك الوحدات الإنسانية و كذلك في تحديد الدور لتوفير الفرص لنمو الأفراد وزيادة قدراتهم حتى يشعر كل فرد بأهمية فعاليته ضمن المجتمع .
         و كما اشرنا إليه آنفا فان التغير الاجتماعي لا يتحقق إلا بمشاركة الجماهير في   تخطيط   البرامج و المشروعات و تنفيذها .

   2)- الخدمة الاجتماعية وتنمية المجتمع الريفي أهداف مشتركة حيث أن هدفهما الرئيسي
         هو الإنسان ذاته وذلك لتحقيق الرفاهية الاجتماعية للمجتمع الريفي ويمكن تحديد هذه
        الأهداف فيما يلي:
-       محاولة القضاء على المشكلات الاجتماعية التي تعيق التنمية الريفية.
-       المساهمة في رفع و تعبئة روح التعاون داخل الوحدات الإنتاجية.
-       إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة  ومساعدتهم على علاج مشكلاتهم لتمكينهم من الاستفادة من قدراتهم.
ودور الخدمة الاجتماعية في تحقيق هذه الأهداف من خلال مجالات العمل التالية :
أ‌.        المجال الوقائي:
يقصد به محاولة تجنب حدوث الأزمات والحد من المعاناة و الآلام و التخفيف من المصاريف الباهظة لعلاج هذه الأزمات بعد حدوثها.
ب‌.    المجال العلاجي:
وهي مجموعة الأساليب التي تعتمد في معالجة المشكلات –الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية – و ذلك قصد إيجاد حل لها أو التخفيف من حدتها([12]) .
ج.المجال التأهيلي :
يستخدم هذا الأخير عند فشل المجالين السابقين قصد ضمان قيمة الإنسان ومساعدته على الإنتاج بأقصى حد ممكن بمستوى أدائه المنخفض للمشكلة.
- ضرورة التنسيق بين مهنة الخدمة الاجتماعية و تنمية المجتمع الريفي من حيث الاهتمام بالفروق الفردية وكذا الاحتياجات الفردية لذا يجب أن يكون أسلوب أو طرق تقديم الخدمة مبنيا على احترام كرامة الإنسان وحريته (أي بدون تفرقة أو عنصرية أو تعصب لجهة ما )
- تبني كل من الخدمة الاجتماعية وتنمية المجتمع الريفي على أسس علمية ضمن نظام مضبوط وموضوعي من حيث التخطيط وتنفيذ البرامج و المشروعات.
- ترتكز كل من الخدمة الاجتماعية وتنمية المجتمع الريفي على أدوات ووسائل متنوعة للاتصال بالجماهير فهما يستخدمان المقابلات والندوات والاجتماعات ووسائل الإعلام كما أنهما يستعينان بالقيادات المجتمعية المحلية.
         وتتجلى طرق الخدمة الاجتماعية في تنمية المجتمع الريفي الجزائري في النقاط التالية :

1: سير الخدمة الاجتماعية في التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي
تعتمد الخدمة الاجتماعية في تنمية المجتمع الريفي على ثلاث طرق :

1-2 :طريقة خدمة الفرد وتنمية المجتمع الريفي :
وتعتبر من أول طرق مهنة الخدمة الاجتماعية والتي عرفها المؤتمر السنوي للخدمة الاجتماعية عام 1964" طريقة من طرق الخدمة الاجتماعية تستهدف التدخل والتأثير في حياة الفرد الاجتماعية والنفسية لتحسين وتوجيه وتدعيم وظيفته الاجتماعية " ([13])
ويظهر دور هذه الطريقة في الهداف التالية:
- تحقيق التوازن الاجتماعي بزيادة حجم الطاقة العاملة في المجتمع، وذلك للاستفادة من الطاقة البشرية السلبية والمعوقة و المنحرفة واستغلال إمكاناتها وتحويلها إلى طاقة منتجة.
- حماية المجتمع من المخاطر المستقبلية، حيث تحويل هذه الفئات إلى طاقات هدامة تعوق رفاهية المجتمع.
- تعمل خدمة الفرد على تدعيم قيم التضامن الاجتماعي و تحسيس الأفراد بالأمن، وذلك بما تقدمه مهنة الخدمة الاجتماعية للأفراد من خدمات والذي يساهم في زيادة ارتباطهم بالمجتمع.
- تحقيق التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي بالاهتمام بالإنسان وما يجابه ذلك من أزمات اجتماعية تعيق تحقيق هذا الهدف، مع توعية المجتمع بالأمراض الاجتماعية التي من الممكن أن تصيبه.
ومما سبق نجد أن خدمة الفرد تعمل جاهدة في خدمة الإنسان والمجتمع لتحقيق هذه الأهداف في إطار مجتمعنا الريفي حتى يمكن الوصول إلى بناء مجتمع متكامل.
وعلى ضوء الأهداف السابقة يمكن لنا أن نحدد الدور الذي تلعبه طريقة تقديم خدمة الفرد بمهنة الخدمة الاجتماعية في تنمية المجتمع الريفي الجزائري بما يلي:
- المساهمة في مواجهة مشكلات التغير الاجتماعي بأساليب خاصة وجديدة تتفق والظروف التي يعيشها المجتمع الريفي الجزائري. 
- التصدي للمشكلات الفردية لدى بعض الأفراد والتي تعيق التنمية كاللامبالاة والتقاعس والتكاسل، فالفرد الذي تواجهه مشكلة ما يُعد طاقةً معطلة من جهة، وقوة لا تخدم التغيير ولا التنمية الريفية بل تعيق حركتها، فخدمة الفرد تعمل كشف هذه المشكلات وتحديد الطريقة المثلى لتؤثر في الظروف القائمة كأداة إنسانية تأثيراً إيجابياً.
كما أن الجانب التنموي لخدمة الجماعة يعد كأحد الأساليب الأساسية لنظرية طريقة العمل مع الجماعات وعلى ضوء ما يجري في الجزائر يمكننا أن نضع المبادئ التالية:
1- مفهوم الخدمة الاجتماعية بمفهومها التنموي تهتم بالقيام بالأداء الاجتماعي حيث أن هذا الاهتمام ينقسم إلى قسمين هما:
أ- استعادة الفرد لإمكاناته وكذا المساهمة في تنميتها.
ب- مساعدة الفرد على تنمية قدراته بغية الرفع من مستوى الأداء.
2- تقييم وتقويم مستوى أداء الأفراد في موقف طبيعي، حيث نجد القواعد العامة التي تضبط سلوك الفرد، هذا الأخير يمكن ملاحظته عن طريق سلوك الأفراد الآخرين أو بواسطة علاقته بالأخصائي الاجتماعي خاصة فيما يتعلق بالمهام الاجتماعية في المواقف الخاصة وعلاقة هذا السلوك بأدائه الاجتماعي.
- العناصر الأساسية في كفاءة سلوك الأداء الاجتماعي نمثلها على طرفي مقياس بدايته سوء الأداء ونهايته حسن الأداء ([14])
فإذا كان الاتجاه التنموي في أسلوب وطريقة العمل مع الجماعة مهتم برفع مستوى أداء أعضاء الجماعة فانه أيضا يسهم في تنمية صلة الترابط بين الجماعة والمجتمع الريفي الذين ينتمون اليه كما ان الشعور بالانتماء يفرض على الفرد قبول أساليب العمل التي تسير عليها الجماعة و الخضوع لها .
مما سبق نجد أن المفهوم التنموي لخدمة الجماعة يركز على الأداء الاجتماعي فضلا عن اهتمامه بتحقيق الذات كما أنه يثير قدرات الأفراد ليحققوا أقصى درجات النمو في حياتهم الاجتماعية وكذا مواجهة المشكلات والأزمات .
ترجع أهمية استخدام هذه الطريقة مع الجماعات في تنمية المجتمع الريفي الجزائري إلى أن مشكلات المجتمع الريفي يجب أن تعالجها جهود الجماعة والجهود المشتركة للجماعات.
فالمجتمع الريفي الجزائري الذي يواجه تحديات التنمية يتطلب من أسلوب العمل مع الجماعات أن تساهم بشكل فعال في التنمية الشاملة ولاسيما التنمية الاجتماعية منها لذا يمكن للأخصائي الاجتماعي الذي يعمل في دور الشباب أو في المنظمات الشبابية أن يمارس دورا هاما في تحقيق التنمية الشاملة لمجتمعهم .
وعليه يمكن لنا أن نحدد أهداف طريقة العمل مع الجماعات في تنمية المجتمع الريفي الجزائري في هدفين رئيسيين هما:
- مساعدة الأفراد ليدركوا قدراتهم وإمكانياتهم من خلال الخبرات الجماعية التي توفر الاهتمامات المشتركة للأعضاء.
- مساعدة الجماعات حتى تقوم بوظائفها ومسؤولياتها بكفاءة عالية لتحقيق ما تسموا إليه([15]).

2-2: طريقة تنظيم المجتمع وتنمية المجتمع الريفي :
تعتبر طريقة تنظيم المجتمع من الطرق المهنية للخدمة الاجتماعية التي تسعى إلى تدعيم قدرة المجتمع الريفي على تحديد مشكلاته وتعبئة طاقاته وموارده لمواجهة الحاجات والمشكلات لتحقيق أهدافه بالاعتماد في ذلك على بعض نماذج الممارسة المهنية مع الأجهزة والتنظيمات المجتمعية القائمة في المجتمع .
ونستطيع تحديد العلاقة بين طريقة تنظيم المجتمع وتنمية المجتمع الريفي الجزائري فيما يلي:
1-  إن كلا من طريقة تنظيم المجتمع وتنمية المجتمع الريفي الجزائري هما في حقيقة الأمر عبارة عن عناصر لنفس الأسلوب العام لحل مشكلات تنمية المجتمع الريفي ويمثل هدا التشابه بينهما في:
- كلاهما مهتم بحاجات المجتمع الريفي ومهتم أيضا بطريقة حل مشكلاته المحلية.
- يهتمان أساسا بالعمل مع الناس سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو في العلاقات بين هذه الجماعات.
 استخدام نفس المناهج و الأساليب الفنية في العمل إلى حد كبير.
- يتضمنان مساعدات فنية أو مهنية و الاعتماد على أسس فلسفية واحدة تقريبا([16])
2- كلا من تنظيم المجتمع وتنمية المجتمع الريفي الجزائري يشتركان في المهارات والعمليات مثل تصميم وتنفيذ البرامج الاجتماعية فضلا عن تنمية المجتمع المحلي يستخدم المهارة مع الناس والمهارة في تنمية المجتمع الريفي الجزائري.
3- أن كل من تنمية المجتمع الريفي الجزائري وطريقة تنظيم المجتمع يعتمدان وسائل وأدوات متشابهة مثل المؤتمرات الندوات أعمال اللجان وتشكيلها والوسائل السمعية و البصرية.


3 : أدوار الأخصائي الاجتماعي  في التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي :

إن من أهم الركائز التي يجب أن يعتمد عليها الأخصائي الاجتماعي  هي القيادات المحلية ( القيادات الممثلة في السلطة المحلية ) لأنها القوة المحركة والمؤثرة على حياة الجماعات التي ينتمي إليها الأفراد في المجتمع من ثمة فان القيادات المحلية تعتبر من أهم الأساليب التي يعتمد عليها الأخصائي الاجتماعي عند عمله في مجال تنمية المجتمع الريفي .
ويمكن تحديد دور الأخصائي الاجتماعي في هؤلاء القادة – على ضوء ما تعيشه الجزائر من أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مختلفة عن باقي الدول النامية الأخرى – فيما يلي:
1-  العمل على أنشاء لجان تجمع هذه القيادات اخذين في الاعتبار أساس التجانس في السن و الجنس و المستوى الثقافي و تقوم هذه القيادات بالمشاركة في وضع برامج ومشروعات التنمية الريفية المحلية بحيث ان البرامج و المشروعات تؤدي الى تحقيق الأهداف التالية :
أ‌)           إعلام كل جماعة بالبيانات و المعلومات التي لها علاقة بالبرامج بالطريقة المناسبة لهم .
ب‌)   إبراز دور هؤلاء القادة سواء بالنسبة للتوعية العامة المتصلة بالتنمية الريفية وتبادل الخبرات والآراء ودراسة المشكلات التي تواجه هؤلاء القادة .
2-    وضع نظام فعال لتحفيز هذه القيادات على القيام بدورها في تنمية المجتمع الريفي المحلي .
3-  يشرف الأخصائي الاجتماعي على هذه القيادات وتوجيهها وكذا متابعة النتائج التي يحققونها وتقييمها وذلك عن طريق اجتماعات دورية معهم.

3-1 : دور الأخصائي الاجتماعي في تغيير القيم والاتجاهات السلبية

القيم هي تصورات يحتكم إليها الأفراد والجماعات في تحديد ما هو مرغوب فيه وما هو مرفوض كما أنها تحدد لهم مستوى الحكم على الأفعال وأنماط السلوك ومن ثم فإن المعايير الاجتماعية هي القواعد التي يسير عليها السلوك في مواقف معينة، ومنه الأفراد الذين يشتركون في القيم المتشابهة قد يختلفون حول بعض المعايير التي يخضعون لها فكأنها تتميز بصفة العمومية، وعكس ذلك تماماً أي تتسم بالخصوصية، فكل من المعايير والقيم يخضعان للتغيير ويتشكلان في ضوء البناء الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الجزائر.([17])
     وفي هذا الصدد لا يفوتني أن أذكر بان هناك بعض العثرات التي تكبح وتعيق عملية تنمية المجتمع الريفي الجزائري، وهي في رأيي قد لا تكمن في مجموعة النظريات العلمية أو الأساليب الفنية وإنما في عدم العناية الكافية بالإنسان نفسه والتي تتطلب توعيته ومحاولة تغيير الاتجاهات السلبية كالاتكال والتكاسل والتفكير الخرافي والعمل على تحريره من المعتقدات البالية، والتعصب للأسرة أو العشيرة الجهوية – ولما كانت الخدمة الاجتماعية من المهن التي تساهم في إحداث التغيير إيجابياً، فإنها يجب أن تسير وفق المبدأين التاليين:
1-           تقديس العمل
2-          إحترام وتقدير الوقت، مع تقدير الأمر الواقع ودراسته ومحاولة إيجاد الحلول للمشكلات([18])  
       وبناءا على ما سبق نستطيع القول بأن الخدمة الاجتماعية تقوم بدور فعال عن طريق التفاعل لإتمام التغير بما يتلائم وأهداف المجتمع الجزائري، أي أن الخدمة الاجتماعية تهيئ الموارد البشرية وتجعلها في أسلوب يتناسب واحتياجات هذا المجتمع، ولا يمكن أن نجد علاج لكافة المشكلات ما لم تكن تنمية اجتماعية واقتصادية بكيفية متوازنة.
3-2 دور الأخصائي الاجتماعي في المؤسسات والجماعات المحلية

         يمكن أن يؤدي الأخصائي الاجتماعي دوره مع المؤسسات أو التنظيمات المحلية مثل المجلس الشعبي البلدي، والذي يجمع رؤساء هذه التنظيمات المحلية، ويتمثل دوره في:
1- الاشتراك في وضع الخطط لتحقيق التعاون والتنسيق بين هذه التنظيمات وتدعيم البرامج والمشروعات الموجهة للمجتمع الريفي الجزائري.
2- ضبط مهمة كل مؤسسة في المجتمع الريفي بغية تحديد أبسط الطرق لتقديم الخدمة إلى الأهالي وقيام مؤسسات المجتمع الريفي في استثارة الأهالي للمشاركة في وضع البرامج والمشروعات للتنمية الريفية. 
3- تقديم المساعدة لمختلف التنظيمات والمؤسسات المحلية في رسم الخطط التنموية الاجتماعية على مستوى المجتمع المحلي ([19])
4- القيام بالبحوث والدراسات الخاصة بالمجتمع الريفي الجزائري ( موارده، إمكانياته، مشكلاته) ومن ثم تقديم نتائج هذه البحوث إلى المؤسسات المحلية للاستفادة منها وتحسين برامجها والعمل على خلق خدمات جديدة يحتاجها أفراد المجتمع الريفي المحلي.

المحور الرابع: مشاركة المواطنين في التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي

   أولاً : مفهوم المشاركة :         
         لقد حضي مفهوم المشاركة بجهد وافر في محاولة التعريف به وتحليل مضمونه، وإذا كانت المشاركة في نفس المجتمع الذي يعيش فيه الفرد فإنه من السهل علينا أن نطلق عليها لفظ مشاركة، بينما الجهد التطوعي الموجه إلى مجتمعات أخرى غير المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد فإنه يقف عند التطوع و لا يرقى لمستوى المشاركة .
         وجهود المشاركة ليست حكراً على مجتمع بعينه، ولكنها قاسماً مشتركاً في كافة المجتمعات وتتأثر بدرجة كبيرة بأيديولوجية المجتمع، وعلى ذلك فإن مفهوم المشاركة يقترب من مفهوم حق تقرير المصير على أساس أن المشاركة هي بمثابة التطبيق العملي أو ممارسة هذا الحق، فعن طريقها يمكن للإنسان أي يشارك في تحديد طريقة حياته، والعمل على رفع مستوى هذه الحياة بما يتفق ومستوى الطموح لديه.
         ولذلك فإن الخدمة الاجتماعية ( ممثلة في الأخصائي الاجتماعي الممارس للمهنة)  تؤمن بأهمية الديمقراطية وقيمة الإنسان وحرية العقيدة  واحترامها وكذا احترام الفروق الفردية، حيث يستخدم الأخصائي الاجتماعي مهاراته ومعارفه في المواقف المتعددة، ويأخذ في حسبتنه جميع المبادئ المهنية التي من بينها المشاركة وحق تقرير المصير، ذلك لأن الهدف العام أو الإطار الذي يحكم الممارسة هو تحقيق الرفاهية للفرد والمجتمع مع عدم التضحية بالمصالح الفردية([20])
ومع بداية الاهتمام بطريقة تنظيم المجتمع، وعن طريق ظهور بعض الكتب والمبادئ العامة كان الاهتمام ينصب على تحسين العلاقات الاجتماعية والرغبة في حماية القيم الخاصة بالمجتمع وكان حجر الزاوية في هذا المنهج ينصب على تقوية ودعم المشاركة الايجابية والديمقراطية، بل أنه أصبح من المتفق عليه أن نجاح بعض المنظمات في المجتمع يقاس بعدد المشاركين في الأنشطة، ولكن يجب ألا تقتصر جهود المنظمة على ذلك، حتى يمكن أن تشبع بعض الحاجيات المادية حتى لا ينفض المجتمع من حولها، وربما هو الذي أوجد فكرة الاهتمام المشترك بين العملاء الذين يشتركون في مشكلة واحدة في اتخاذ القرار، ومن مشاركتهم هذه سيصلون حتماً إلى نتائج طيبة.
         ولا يعني الاهتمام بالمشاركة في ممارسة طريقة تنظيم المجتمع على أن الاهتمام ينصب على العلاج الذاتي الموجه إلى جماعات المجتمع لتعديل نسق القيم فقط، ولكن هناك توازن في الممارسة بالنسبة لتنظيم المجتمع بين العلاج الذاتي والعلاج البيئي، وكلاهما لا ينفصل عن الآخر، ذلك أن التغيرات في البيئة المحيطة للإنسان من شأنه أن يؤثر في الوظائف الاجتماعية، ولذلك فإن هذه الطريقة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الظروف البيئية والاستخدام الأمثل لقدرات الإنسان.
ويمكن أن ندل على تأثير المدخل البيئي بالنسبة لتعديل الوظائف الاجتماعية وفقاً للآتي :
·   إن عدداً كبيراً من العملاء يواجهون قصوراً في الأداء نتيجة عدم القدرة على الاختيار والتحرك خلال الظروف البيئية المحيطة، بمعنى أنهم أسرى للظروف البيئية .
·   يحصل العملاء على خدمات الرعاية الاجتماعية من خلال منظمات المجتمع التي تسير وفقا للظروف البيئية التي توجد فيها.
لا شك أن كافة جماعات المجتمع يتأثرون ببرامج وخطط التنمية الاجتماعية التي تدور حولهم، وكثيراً ما يتجاهل الحاجات النفسية والاجتماعية التي ليست دائماً محوراً للقرارات التي تؤثر فيهم، ولكن الظروف البيئية هي ذات الاعتبار الأول من خلال الموارد المتاحة.
·   إن معظم الخدمات التي تقوم عليها المهن الأساسية للمواطنين ترتكز على تحسين الظروف البيئية أو محاولة التوظيف الأمثل لمواردها، بمعنى أن المساعدة التي تقدم للعملاء تقوم على دراسة عملية لمساعدتهم على فهم مشاكلهم ورسم خطط العلاج معتمدين في ذلك على إمكانياتهم الذاتية، مع الاستعانة بطبيعة الحال بالموارد والخدمات الاجتماعية الموجودة في البيئة المحيطة، ولذلك فإن مبدأ المشاركة يعبر عن روح وفلسفة الخدمة الاجتماعية التي تقوم على العمل مع العميل وليس من أجله([21])
حيث أن نجاح عملية المساعدة مرهونة بمبدأ المشاركة من قبل المواطنين، ولقد أثبتت الخبرات والتجارب المتتالية في العمل مع المجتمعات أن مشاريع الإصلاح لن تتأصل في حياة المجتمع ولن تؤدي الفائدة المرجوة منها ما لم يشارك فيها أفراد هذا المجتمع وجماعاته، ومرجع ذلك أن المواطنين في مجتمع ما هم أكثر حساسية من غيرهم لما ينفع مجتمعهم وما يصلح له، ومن ثم فاشتراك المواطنين في تخطيط برنامج معين يضمن اختيار ما يتلاءم مع طبيعة هذا المجتمع وتنمية قدرة المجتمع ككل على تحمل المسؤوليات تدريجياً([22])
ثانياً: عناصر مفهوم المشاركة:
         يمكن تحديد عناصر مفهوم المشاركة في التنمية فيما يلي:
1-  إن مشاركة المواطنين قيمة اجتماعية ذات مزايا متعددة، وهي مبدأ أساسي لعمليات تنمية المجتمع المحلي، والتنمية الناجحة لا يمكن أن تتم بدون مشاركة من مواطني المجتمع المحلي باعتبارهم أصحاب المصلحة الحقيقية والمستفيدين من حدوثها، فضلاً عن كونها وسيلة فعالة علاجيا وتربويا وهي تتضمن في ثناياها المبادئ الأخرى كالمساعدة الذاتية واكتشاف وتنمية القيادات المحلية.
2-  إن مشاركة المواطنين في التنمية هي بالضرورة مجهودات تطوعية إرادية، بمعنى أن يقوم بها المواطن بوازع من إرادته واختياره وبدون أن يتعرض لأي ضغوط أو إجبار على القيام بها.
3-  إن مشاركة المواطنين في التنمية هي حق لجميع فئات المجتمع، طالما هم لديهم القدرة عليها وليست قاصرة على فئة أو طبقة محددة بالمجتمع ويجب أن تشمل جميع الفئات لأن ذلك يحقق نمواً مطرداً لمشاريع التنمية، وبذلك يمكن أن يتحقق للمواطن المساهمة في صياغة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بمجتمعه. ([23]) 
4-  لا يجب أن تقف مشاركة المواطنين في التنمية عند حد اختيار القيادات الشعبية فحسب- وإلا أصبحت عملية موسمية فقط – بل يجب أن تمتد إلى المساهمة في جميع عمليات ومراحل تنمية المجتمع لكافة البرامج والمشاريع التي تتم على مستوى منطقتهم، وبذلك تضمن لها الاستمرارية وتصبح ذات دور محوري في كافة مراحل التنمية.

ثالثاً: أهمية المشاركة في التنمية المحلية :
         تعد مشاركة المواطنين في التنمية المحلية إحدى القيم المحورية، باعتبارها هدفاً ووسيلة في نفس الوقت وهي تمثل أهمية خاصة في تنمية المجتمع المحلي، حيث أنها تعد وسيلة إستراتيجية للعلاج عن طريق التعلم، ويتم من خلالها تدريب المواطنين على الأسلوب الديمقراطي، وفي التعرف على الحاجات والمشكلات وكيفية حلها، وبالتالي تنمية قدراتهم على الاعتماد على أنفسهم.
         كما أنها إستراتيجية لتعديل السلوك، فعن طريق المشاركة في تنظيمات المجتمع يتغير السلوك الفردي ويتحول إلى سلوك تنظيمي يتفق مع القيم والمعايير التي يضعها هذا التنظيم ويتطلبها مع الأعضاء المنتسبين إليه فهو يتطلب من الفرد أن يُعدل من سلوكه حتى يتفق مع تلك القيم والمعايير.
وعموماً تبرز أهمية مشاركة الأفراد في التنمية المحلية في النقاط التالية:
1-  المواطنين المحليين في العادة هم أكثر حساسية من غيرهم لما يصلح لمجتمعهم وما لا يصلح له، ولطالما يكون إشراكهم في عمليات التنمية ورضاؤهم عما يجري بمثابة المؤشر الحساس الذي يوجه القائمين على التنمية إلى مشاريع مناسبة.
2-  إن مشاركة المواطنين في التنمية يجعلهم يدركون حجم مشكلاتهم وإمكانياتهم، وحقيقة الخدمات التي يشتركون فيها، كما أنها وسيلة طيبة لتدعيم الرقابة المجتمعية على المشاريع التي أقرتها السلطات العمومية، وهي بذلك تكون بمثابة ضمان لتعديل مسار التغيير والتنمية بما يتمشى مع مصالح المجتمع([24]).
3-  إن اشتراك المواطنين في تنمية المجتمع المحلي يؤدي إلى تنمية العلاقة بين الشعب وممثلي السلطة العمومية وبالتالي القضاء على عنصر الشك الذي يؤرق الكثير من المجتمعات، حيث ليس هناك معوق للتنمية أكثر من انعدام الثقة بين المواطنين والأجهزة الحكومية خاصة في مجال دراستنا، فضلاً عن أن تعاون الجهود الشعبية والجهود الحكومية في التنمية يحقق أهداف الخطة، فإذا ما قصرت هذه الإمكانيات المالية والبشرية الرسمية عن تنفيذها بادر المواطنون عن طريق العون الذاتي – وضمن نسق مدروس لا عشوائي – إلى تكملة هذه الإمكانيات وهي تعد من الخصائص الهامة لمشاركة المواطنين – وبصفة خاصة في المناطق الريفية التي تعاني نقصاً واضحاً في الخدمات المختلفة التي تعجز إمكانيات الدولة عن توفيرها فترات قد تطول و تقصر وفقاً لظروفها الاقتصادية.([25])
4-  لا يمكن الحديث عن التخطيط الديمقراطي للتنمية في الوقت الذي يكون فيه أفراد المجتمع في موقف سلبي من حيث النقد والحديث عن السلبيات بينما ليس لديهم القدرة على الحديث عن الآراء الايجابية البناءة، ومن هنا تظهر دراسة الجماعات والتنظيمات المجتمعية ودورها في العمل على أن يشعر الناس بأن التخطيط نابع منهم وأن القيادة منوطة بهم، وأنه ليس هناك مجال لفرض الأمور ضد رغباتهم.
5-  إن مشاركة المواطنين تضفي على عائد التنمية صفة الاستمرارية لأن هذه المشاركة سوف تجعلهم يشعرون بأن هذا العائد هو نتاج لجهودهم سواء كانت مادية أو معنوية، أو مساهم بالمال، ومن ثم يحرصون على المحافظة على البرامج والمشاريع التي يشاركون فيها أكثر من محافظتهم على البرامج والمشاريع التي يشاركون فيها.
6-  تؤكد الدراسات الاجتماعية على أمام دور المشاركة في دفع عجلة التنمية إلى الأمام وإحداث التغيرات اللازمة لمساندة عملية التنمية، إذ كثيراً ما تقف بعض الاتجاهات والقيم السائدة خاصة في المجتمع الريفي عملية التنمية، وهذه الأمور لا يمكن تغييرها عن طريق إصدار القرارات أو باستخدام القوة وإنما يمكن تغييرها عن طريق المشاركة، وبالاستفادة من قيادات المجتمع حيث يقنع الأهالي أنفسهم ويقدرون التغيير اللازم ويحددون وسائل إحداثه في المجتمع. ([26])  

رابعاً: إستراتيجيات المشاركة في التنمية :
         إن دعم المشاركة المحلية من طرف المواطنين يعتبر وسيلة لضمان نجاح المشاريع الخاصة بتنمية المشاريع المتعلقة بتنمية المجتمع، ودعم المشاريع الإنمائية فيه.
         حيث أن مشاركة المواطنين بأنفسهم يعد بمثابة إستراتيجية لتنمية المجتمع، وتختلف النظرة إلى المشاركة حيث تعتبر لبعض الأحيان تأييد لسياسة المنظمة وحمايتها، والحفاظ على استقرارها، وفي أحيان أخرى تكون أداة علاجية أو تكملة لتغيير الاتجاهات أو تعتبر المشاركة من الوسائل المساعدة لتحديد أهداف المنظمة.
         وتتجلى أهم الاستراتيجيات الخاصة بأنماط المشاركة في النقاط التالية :





·  إستراتيجية التعليم العلاجية:

تقوم هذه الإستراتيجية على أساس أن المشاركة تؤدي إلى تدريب المواطنين للعمل سوياً لحل مشكلات المجتمع، ولتقييم وتدعيم التعاون كأسلوب لحل المشكلة وهذا بدوره يدعم الجهود الحكومية في التنمية، ويقود المجتمع إلى تحقيق النمو، مع الانتماء إلى المجتمع والتعرف على مشكلاته المختلفة ومن ثم تحديد أساليب العلاج.

·  إستراتيجية تغيير السلوك:
يمكن عن طريق المشاركة تعديل السلوك وتغييره عن طريق تأثر الأفراد بالجماعات التي ينتمون إليها، وتعديل وتغيير السلوك يتم كلما كان المشاركون يتلقون الفائدة من وراء هذه المشاركة، وأنها ذات جدوى بالنسبة لأنفسهم وللجماعة في آن واحد([27])
        وتقوم هذه الإستراتيجية على مجموعة من المسلمات هي :  
-  أنه من السهل إحداث تغيير في السلوك لدى الأفراد عندما ينتمون إلى الجماعة، أكثر من محاولة التأثير عليهم وهم فرادى.
-  الأفراد والجماعات لا يمكن أن يقبلوا القرارات التي تفرض ولكنهم يحبذون دعم القرارات التي يشعرون من خلالها بالمساواة، ويعملون على تنفيذ القرارات النابعة منهم لا سيما إذا كان ذلك عن اقتناع بجدوى التغيير الذي سوف يقوم على عملية اتخاذ القرارات النابعة منهم، وبذلك تكون المشاركة في عملية القرارات تخلق نوعاً من الالتزام بالأهداف الجديدة.

·  إستراتيجية استكمال هيئة الموظفين:
وتقوم على التأكيد على المشاركة بالجهود التطوعية في عملية التنمية، فهي تعتمد على الجهود التلقائية وذلك لسد العجز في هيئة الموظفين، لدرجة أن هناك بعض المؤسسات والمنظمات ذات الطابع المدني تعتمد بالكامل على المتطوعين لإنجاز أهدافها وأعمالها.

·  إستراتيجية التعاون:
وتقوم على أساس أن المشاركة الأهلية تمنع وجود بعض العقبات المتوقعة عند تنفيذ خطة التنمية، وأن تعاونهم وإسهامهم أمر ضروري للتغلب على بعض الصعوبات، وبذلك فإن إستراتيجية التعزيز والتعاون تعتبر عملية يمكن عن طريقها تأمين عناصر جديدة تسهم في بناء سياسة المنظمة، أو الهيئة المكلفة بالتنمية بما يحول دون وجود ما يهدد استقرارها واستمرارها ([28]).

·  الإطار التنظيمي للمشاركة في التنمية:
يرتبط مستوى وفاعلية المشاركة بوجود إطار تنظيمي محلي محدد وتَتبع أهميته، على أن يشجع ويحفز المواطنين على المشاركة في برامج التنمية، كما أنه يشكل البوتقة التي يتم من خلالها التفاعل والتنسيق بين أنشطة سكان المجتمع، وبين مختلف الأنشطة الرسمية ( الحكومية ) من جهة أخرى، ونستطيع حصر هذا الإطار التنظيمي في ثلاث مستويات هي :
أ- الإطار التنظيمي يشجع المبادرات المحلية:
ويقصد بذلك المشاريع التي تنبع من البيئة المحلية ذاتها، وبالذات تلك التي تستعين بالموارد المحلية، ولاشك أن لذلك أهمية قصوى بالنسبة لتنظيم قيم الاعتماد على الذات في المجتمع وتحويل سكانه من مجرد مستقبل سلبي للمشاريع الحكومية إلى سكان إيجابيين في عملية التنمية، وضمان واقعية مشاريع التنمية
ب- الإطار التنظيمي يحفز المواطنين على المشاركة:
حيث أنه يوفر الأدوات التي يمكن أن تستثير وتحفز سكان المجتمع على المشاركة في مشاريع التنمية المحلية، وذلك بنقل المعلومات إلى سكان المجتمع عن المشاريع المزمع إنشاؤها، وإيضاح المزايا التي قد تترتب على مشاركتهم في تنفيذ تلك المشاريع.
لذلك فمن الضروري لكي ينجح الإطار التنظيمي من تحفيز سكان المجتمع على المشاركة مراعاة الواقعية والتدرج، ويقصد بالواقعية عدم خلق توقعات محلية ضخمة تتعدى الإمكانيات التي تحوزها تلك السلطة العمومية المكلفة بتنفيذ مثل هذه المشاريع، أما التدرجية فهي أن تراعي الأجهزة القائمة على المشاركة البدء بالمشاريع التي يمكن أن تنتج آثارا عاجلة أو ملموسة بالنسبة للسكان المحليين، فإذا تلاؤم جو المشاركة لهم فإنهم حتماً سيتجهون تدريجياً إلى المشاركة بشتى أصنافها([29])

خامساً: دوافع ومحددات المشاركة في التنمية المحلية:

إن مشاركة المواطنين في تنمية المجتمع المحلي ليست ظاهرة متأصلة فيهم ولا في بناء المجتمع، وبالتالي لا يتوقع الممارسين في حقل التنمية أن تتم المشاركة بصورة عقوبة أو تلقائية ما لم تستثيرها وتدفعها عوامل ومحددات داخلية وحوافز خارجية، حيث نوجز هذه الدوافع في النقاط التالية:
-   درجة إشباع احتياجاتهم الأساسية، حيث أن الناس يتطوعون في برامج العمل الاجتماعي ليقابلوا مستوى احتياجي أعلى كالحاجة إلى الشعور بالانتماء والاحترام وتقدير الذات.
-   تتأثر درجة مشاركة المواطنين من جانب أصحاب المصلحة في التنمية في طبيعة البناء الاجتماعي للقوى، وبنوع العمليات التي تتم فيه، فهي بالتالي تتوقف على طبيعة النظام السياسي ومدى ما يتيحه من حرية ممارسة النشاط الاجتماعي، والتعبير عن القوة في تنظيمات متعددة يكون لها رأي في صياغة الحياة الاجتماعية والسياسية، فيجب أن تراعي هذه التنظيمات في تعاملها مع أفراد المجتمع الدرجة العالية من الثقة، بحيث تسمح لهم بالمشاركة في اتخاذ القرارات في كل مستويات التنظيم ما أمكن ذلك، وبحيث يشعر أهالي المجتمع أن عملية المشاركة ليست مجرد عملية شكلية ومن الضروري أن يدرك العاملون بهذه المنظمات أن ممثلون عن كل مجتمع، وأن إنجازه الأكبر يتمثل في جذب المزيد من المواطنين ليشاركوا في مهام مختلفة.
-   درجة مشاركة المواطنين في التنمية مرهون بمدى التقدم والنمو الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، فالطبقات الفقيرة – المحرومة – تكون عادة مشغولة بإشباع حاجاتها الاقتصادية التي تكفل لها البقاء ويتميز سلوكها بالفردية ويكون اهتمامها بالقضايا العامة ضعيف، فدرجة المشاركة تتأثر دون شك بدرجة الرخاء الاقتصادي لدى المواطنين، فالسكان المحليين يشتركون في أنشطة المجتمع المحلي لإشباع احتياجاتهم الفسيولوجية الأساسية، ويلاحظ أن الطبقات التي تشعر بالأمن الاقتصادي الذي ينعكس على الإشباع الفسيولوجية يقبل أفرادها على المشاركة في شؤون مجتمعهم المحلي.([30])
-   يرى " فيليبس " أن هناك نوعين للمشاركة التطوعية هما الدوافع الغيرية والتي تتمثل في الاهتمام بالآخرين والرغبة في خدمة الغير، والدوافع الذاتية كالدافع لتحقيق الذات، وبزيادة الاحترام والمكانة الاجتماعية، إذ يمكن القول أن درجة مشاركة المواطنين في التنمية تتأثر بمستوى طموح سكان المجتمع المحلي، ويؤكد " روس" ذلك بأنه كلما زادت آمال الفرد وطموحاته، كلما كان أكثر ميلاً للاندماج والمشاركة ([31]). 
-   تعتبر المنظمات الاجتماعية إحدى الوسائل التي يمكن عن طريقها استشارة المواطنين وتحفيزهم على المساهمة الايجابية في بعض النشاطات والمشاريع التي تتم بمجتمعاتهم المحلية، وقد يرجع ذلك إلى أن هذه المنظمات تمتاز بقدرتها القيادية المهنية التي تستطيع أن تتعاون مع المواطنين من خلال عمليات التنمية، وهناك رأي يرى بأنه كلما أمكن تحقيق التكامل في الخدمات عن طريق هذه المنظمات كلما كان اشتراك الأهالي أكثر سهولة من ناحية التوفير الاقتصادية والتركيز على الخدمة ووسائل الاتصال وغيرها([32])
فضلاً عن الدور الذي تقوم به المنظمات في نشر الوعي الديمقراطي وتدريب المواطنين على إدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم في النطاق المحلي، وكذا دورها في تحفيزهم على الاشتراك في الأنشطة التنموية وعن طريق تقديم المعارف والمعلومات عن هذه الأنشطة للأهالي والفائدة والجدوى من مشاركتهم فيها.


سادساً: أنماط المشاركة في التنمية المحلية :
         تتعدد صور وأنماط مشاركة المواطنين في التنمية وتتباين من منطقة لأخرى ومن مجتمع إلى آخر، وفقاً لفرص المشاركة المتاحة للمواطنين، كما تختلف أنماط المشاركة ودرجتها من مرحلة إلى أخرى من مراحل عمليات التنمية، وقد تتمثل أنماط المشاركة في الصورة غير المباشرة عن طريق التمثيل في بعض التنظيمات أو الجمعيات المجتمعية التي تقوم بأنشطة تدخل في نطاق تنمية المجتمع المحلي وسنوضح أهم أشكالها في النقاط التالية:

أ- التمثيل في السلطة المحلية :
    ونقصد بالسلطة المحلية هي تلك الهيئة المنتخبة ديمقراطيا و رسميا من طرف المواطنين ، بهدف تسيير وإدارة شؤون المنطقة المحلية أو ما يٌعرف بالبلدية، حيث يعتبر التمثيل في السلطات المحلية من أهم وسائل تنظيم المواطنين للمشاركة في التنمية، حيث أنها تضطلع بتفاصيل التنمية ومراحلها المختلفة، فضلاً عن انتشارها في جميع البلديات المحلية الريفية، وقيام بنائها على أساس ديمقراطي،   
ب- عضوية تنظيمات تنمية المجتمع :
    تمثل تنظيمات المجتمع إحدى أنماط المشاركة غير المباشرة التي تضطلع بجميع مراحل عملية التنمية والتي تدخل في نطاق اختصاصها فضلاً عن أن هذه التنظيمات تنتشر بكثرة في الريف ويمكن أن تسهم بدور فعال في تنظيم جهود المواطنين في التنمية الريفية بصفة خاصة، ومن أمثلتها الجمعيات التعاونية الزراعية، وجمعيات تنمية المجتمع المحلي، والخلايا الجوارية للتضامن حيث لا يفوتنا هنا أن نذكر بالمرسوم التنفيذي رقم : 96-232 المؤرخ في 13 صفر عام 1417ه الموافق ل 29 يونيو سنة 1996 الذي تضمن إنشاء وكالة التنمية الاجتماعية وكذا تحديد قانونها الأساسي[33]، حيث أن من بين أهم مهام هذه الوكالة :
-       المساهمة في التخفيف من حدة البطالة وذلك بالقيام بعمليات التوظيف في أوساط الفئات السكانية المحرومة والبطالة.
-       تحسين الظروف المعيشية لهذه الفئات السكانية.
-       المشاركة في الحفاظ على المنشآت القاعدية والاقتصادية والاجتماعية.
-   تحديد الأشخاص الذين يمكن انتقائهم من أجل الاستفادة من تكوين مستهدف ( تحسين المستوى التقني، تكوين في مجال قيادة الفرق العاملة، إعطاء معلومات حول تسيير المؤسسات المصغرة، ...)
-   تسيير البرامج الاجتماعية مثل : المنحة الجزافية للتضامن التي تقدم لذوي الاحتياجات الخاصة، الأرامل، كبار السن، ذوي الدخل المعدوم.([34])                 

سابعاً: عوائق المشاركة في التنمية المحلية :

    إن ظاهرة مشاركة المواطنين في التنمية تعتبر بمثابة ظاهرة معقدة وعملية دينامكية تعتمد على مجموعة من متغيرات متعددة، ولكل منها وزنه النسبي في تحديد وجودها وفي تغييرها.
    وبالرغم من النصوص القانونية التي تقرر حق المواطن في المشاركة وتعدد المنظمات والجمعيات التي يشارك المواطنين من خلالها، إلا أن حجم مشاركة المواطنين في التنمية في الجزائر حال دون تحقيق الهدف بكثير، ومرجع ذلك إلى العديد من المعوقات التي نذكر من أهمها :
    -  انتشار إحساس المواطنين في المجتمع الذي يعيش فيه بالاغتراب، بمعنى أنه عبارة عن حالة اجتماعية تنتاب الفرد وهي تتضمن قيماً سلبية أو عكسية، إذ وبالرغم من الاختلاف الإيديولوجي والنظري للعديد من الفلاسفة وعلماء الاجتماع أو السياسة وعلماء النفس، إلا أن هناك اتفاقاً على قضية أساسية بالنسبة للاغتراب وهي :
    أن مصطلح الاغتراب يشير إلى العجز أو الضياع في الحياة بالنسبة للأفراد أو الجماعات وحتى المجتمعات، حيث أنها تحديد لموقف سلبي، وأن السمة الغالبة للاغتراب تتضمن فقدان السيطرة على الإنتاج، بينما الحق يكمن في ملكية الإنتاج وتوزيعه، وتتأثر العلاقات الاجتماعية بالاغتراب وتنشأ المنافسة الشديدة والحقد وعدم الثقة والعدوانية، ويميل الفرد إلى الاستقلالية والفردية في تعامله مع مشكلات المجتمع.
   يؤدي الاغتراب إلى قتل الطاقات الخلاقة والمبعدة في الإنسان، بينما المشاركة تؤدي إلى التحرر من السيطرة وتحرير الطاقات والتنمية.
   وبصفة عامة يمكن لنا أن نحدد أهم معوقات المشاركة لدى المواطنين فيما يلي:
1-  الشعور باليأس من إمكانية تغيير الواقع المحيط والناتج من تأخر الإصلاح ومواجهة المشكلات لفترات طويلة، مما يجعل المواطنون يتشككون في إمكانية التغيير([35]) .                 
2-  عدم توفر وقت فراغ إيجابي لدى المواطنين لأن الظروف الاقتصادية التي يمر بها المجتمع الجزائري الآن يجعل مستوى الحياة التي يعيشها السواد الأعظم من أفراد المجتمع يكاد يكون على مستوى البقاء، مما يستدعي منهم بذل جهد كبير، واستغراق وقت طويل في العمل لسد احتياجاتهم الأساسية.
3-  تأثير بعض العوامل الاجتماعية على المشاركة، فانخفاض مستوى التعليم يؤدي إلى نقص درجة المشاركة، كما أن انحدار المستوى الاقتصادي وانخفاض في القدرة الشرائية للمواطن يؤثر على درجة المشاركة والفاعلية في المجتمع.
4-  تأثير الفوائد التي تعود على المشاركين في حجم وفاعلية المشاركة، حيث ترتبط مشاركة الأفراد والجماعات في التنمية بمدى وضوح الفوائد التي سيحصلون عليها، وذا يفسر سبب تعثر مشاركة المرأة الريفية في مشاريع التنمية وذلك لعدم وجود فوائد مباشرة تلمسها من خلال مشاركتها في برامج ومشاريع التنمية المحلية.
5-  تأثير ظاهرة الاغتراب - كما أشرنا إليه سابقا -   على مشاركة المواطنين في التنمية، حيث تعتبر اللامبالاة مفهوم للدلالة على عدم اهتمام الفرد بما يدور حوله من الظواهر أو المواقف المختلفة في المجتمع بصفة عامة أو خاصة.
6-  انخفاض مكانة المرأة وعدم الاعتراف بأهمية دورها في التنمية -  المرأة الريفية خاصة -  بما يحول دون اشتراك نصف قوى المجتمع المحلي تقريبا في التنمية.
7-    ضعف المنطقة المحلية اجتماعياً و حتى سياسياً مما يحول دون إشراك المواطنين في برامجها ونشاطاتها ([36])







النتائج العامة


نستطيع من خلال ما سبق استخلاص النتائج التالية:

1-   مساهمة الخدمة الاجتماعية – ممثلة في الأخصائي الاجتماعي – في تحديد المشكلات التي يعيشها المجتمع الجزائري وبوجه أخص في الريف هذا من جهة والتخفيف من حدتها معتمدة في ذلك على أساليبها وطرقها الفنية المختلفة من جهة اخرى.
2-   بالاعتماد على الموارد التي يتوفر عليها المجتمع الريفي الجزائري يمكن أن تؤدي التنمية الشاملة عامة والتنمية الاجتماعية خاصة دوراً رئيسياً في تحقيق الرفاهية الاجتماعية لهذا المجتمع.
3-   التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي يتم تنفيذها في الريف الجزائري، لا تستند إلى سياسة تنموية مضبوطة، وتخطيط علمي مدروس على ضوء ما طرأ من تغيرات على الساحة الجزائرية ولا يوجد مكان لما يسمى بالمتابع الفعلي للبرامج والمشاريع الموضوعة لتنمية المجتمع الريفي والمتمثلة في شخص الأخصائي الاجتماعي.
4-   القيم الاجتماعية الموجهة لسلوك الأفراد والجماعات في مجالات الحياة الاجتماعية ما هي إلا نتاج التكوين الاجتماعي الاقتصادي في مرحلة معينة.
5-   غياب الرقابة التي ينبغي أن تركز على البرامج الإنمائية، حيث أن غياب هذه الأخيرة يؤدي إلى تشويه الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمع الريفي الجزائري. 















التـوصـيات

على ضوء ما انتهت إليه الدراسة من نتائج تم اقتراح أهم التوصيات التي نرجو أن تؤخذ بعين الاعتبار من طرف السلطات العمومية وبالأخص من طرف مسطري برامج ومشاريع التنمية المحلية وهي كالتالي:
1-  يجب أن لا تقتصر البرامج والمشاريع التنموية على المستوى المحلي أو الجهوي أو الوطني على ما حققته التنمية الشاملة من معدلات في النمو وعلى كيفية توزيع العائد الذي حققته، بل بمدى ملائمة البرنامج التنموي على المحافظة على القيم والمعايير الاجتماعية والخصائص الثقافية الأصلية للمجتمع الريفي الجزائري.
2-  يجب أن يكون هناك تكامل في التنمية بمعنى أنه ينبغي وجود تنسيق بين البرامج التنموية التي تعتمدها السلطات المحلية في إطار تكاملي، حيث أن أي تغيير في جانب أو قطاع من قطاعات الحياة الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية يستلزم تغيير كافة الجوانب المرتبطة بالقطاع المراد تنميته وتطويره مع العلم أن وجود الأخصائي الاجتماعي ضروري حتى تكون التنمية فعالة في المجتمع الريفي الجزائري.
3-  إن الأمية مشكلة اجتماعية خطيرة، لذا يجب أن تكون البرامج والمشاريع التنموية في سبيلا الارتقاء بالإنسان ومحاولة القضاء على هذه المشكلة.
4-  العمل على توعية سكان الريف بخطورة الازدياد السكاني من خلال استخدام وسائل الإعلام المختلفة، لأن حل مشكلة الانفجار السكاني يساهم إلى حد كبير في التنمية الشاملة عامة والتنمية الاجتماعية خاصة.

قضايا تثيرها الدراسة:
1-  سيطرة ضعيفي المستوى التعليمي إن لم نقل أميين في بعض المناطق المعزولة على مقاليد السلطة المحلية، حيث أنهم يملكون قوة المال التي تمنحهم مراكز مرموقة في مجتمعهم المحلي، وتعتبر من أهم القضايا التي تهدد المجتمع الريفي الجزائري لاسيما بعد الانفتاح نحو اقتصاد السوق ونظام الخوصصة.
تعتبر النزعة الذاتية والأنانية من الخصائص التي يعاني منها المجتمع الريفي الجزائري، بدون أن ننسى الجهوية أو - ما تُسمى بالعروشية* -  التي تشكل منعطفا نحو الانشقاق والتحيز لفئة ما وهذا ما يعيق نجاح برامج ومشاريع التنمية.
2-  قضية مناهضة سكان الريف الجزائري لمسألة تحديد النسل، نظراً لكونهم أناس محافظين ويرون في ذلك مخالفة أمر من أمور الله.
3-  الهجرة من الريف إلى المدينة بحثاً عن العيش السهل والحياة الرغيدة، والتي أصبحت مشكلة خطيرة، فقد انعكس أثر هذه المشكلة على مستوى الإنتاج الزراعي مما يستلزم دراسة هذه المشكلة للوقوف على عواملها وآثارها وكيفية الحد منها.
4-  شيوع الأمية في أوساط المجتمع الريفي الجزائري، لذا من الضروري دراسة هذه القضية بقصد التعريف على الأسباب الحقيقية لها، ووضع الحلول الملائمة لكي يتحول المجتمع المحلي إلى وحدة متكاملة.  







خـاتـمـة


               بعد هذه الدراسة النظرية التي عرضناها ضمن أجزاء هذا البحث، والتي ألقينا فيه الضوء على طبيعة التنمية الاجتماعية للمجتمع الريفي الجزائري، وأشرنا إلى المناهج والطرق المستخدمة من طرف الأخصائي الاجتماعي، فإنه يلزم حتى نعرف وجهة نظرنا إزاء هذا الميدان في المجتمع الريفي الجزائري أن نلقي الضوء على الاتجاهات المختلفة من خلال الدراسات التي تناولت هذا الموضوع  - بما فيها علم الاجتماع الريفي – والتي عبرت عنه نظريات محددة حاولت قدر الإمكان تعميمها على هذا النوع من المجتمعات وذلك بما يحمله من خصائص سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، حيث أن نجاح تنمية المجتمع الريفي الجزائري رهن بمدى فاعلية البرامج والمشاريع التنموية هذا من جهة، ومدى جدية القائمين على مثل هذه البرامج ونقصد بذلك روح المسؤولية التي يجب أن يتمتع بها الأخصائيون في التنمية وكذلك الأخصائيون في علم الاجتماع.
               فإذا اعتبرنا أن مهنة الخدمة الاجتماعية هي إحدى المهن التي تساهم في إحداث التغير الاجتماعي المقصود، فإن من مسئولياتها أيضاً مساعدة الناس على التكيف ومسايرة التغير واستيعاب منجزاته، ومن هنا لا بد وأن نسعى للتعرف على رغبات أفراد المجتمع وأهدافهم، لذلك فإن الخدمة الاجتماعية تولي اهتماماً كبيراً نحو الديمقراطية وقيمة الفرد وحرية التعبير واحترام العقيدة بدون أن تتخلى عن احترام الفروق الفردية.
               ويستخدم الأخصائي الاجتماعي كل ما اكتسبه من نظريات وأسس وطرق في تقديم الخدمة بالموازاة مع ما يتمتع به من مهارات وخبرات، وأن يأخذ في اعتباره جميع المبادئ المهنية لأن الهدف أو الإطار الذي يحكم الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية هو تحقيق الرفاهية للفرد وللمجتمع مع عدم التضحية بالمصالح الفردية.





[1] التابعي، كمال: القيم والتنمية الريفية( دراسات في علم الاجتماع الريفي)، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة، 1986، ص 11-12.
[2] البنك الدولي: التنمية الريفية، ورقة عمل من إعداد مجموعة من خبراء البنك، فيفري 1975، ص 4.
[3] محمد عبد الفتاح محمد، الخدمة الاجتماعية في مجال تنمية المجتمع المحلي ( أسس نظرية ونماذج تطبيقية) ط2، المكتب العلمي للكمبيوتر والنشر والتوزيع، الاسكندرية 1996. ص75.
[4] عبد الهادي الجوهري: قاموس علم الاجتماع، المكتب الجامعي الحديث، ط3، الإسكندرية، 1998، ص 201.
[5] عبد الباسط محمد حسن: التنمية الاجتماعية، مكتبة وهبة، ط4، القاهرة 1982، ص 155-159
[6] محمد عبد الفتاح محمد، مرجع سابق، ص 212-213
[7] عبد الباسط محمد حسن: التنمية الاجتماعية، المطبعة العالمية، القاهرة، ص 111.
[8] نفس المرجع السابق، ص 114.
[9] محمد شفيق: التنمية الاجتماعية( دراسات في قضايا التنمية ومشكلات المجتمع)، بدون طبعة، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية.1994ص 64.
[10] نفس المرجع ، ص 65.
[11] نفس المرجع ، ص67.
[12] نفس المرجع، ص 214.
[13] نفس المرجع: ص 214-216.
[14] عبد الباسط محمد حسن، التنمية الاجتماعية، مكتبة وهبة،  ط 4 ، القاهرة 1994، ص 55.
[15]عبد الباسط محمد حسن، مرجع سابق، ص 223.
[16] عبد الباسط محمد حسن، مرجع سابق ص 226.
[17] كمال التابعي: القيم والتنمية الريفية، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة، 1986.ص 458-459.
[18] محمد عبد الفتاح محمد، مرجع سابق، ص 229-230.
[19] كمال التابعي: مرجع سابق، ص 453-455
[20] محمد شفيق: مرجع سابق، ص 148-149.
[21] طه حسن حسين: التنمية نظرياً وتطبيقياً، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة 1977، ص 311.
[22] نفس المرجع، ص 313-316.
[23] محمد عبد الفتاح محمد، مرجع سابق، ص 191-192.
[24] هيفاء الشنواني: منهج الدراسة الاستكشافية عن المشاركة الشعبية، مركز البحوث لجهاز تنظيم الأسرة والإسكان، القاهرة، نوفمبر 1980، ص 21
[25] محمد صلاح بسيوني: مشكلات الوضع الراهن للتنمية الريفية في مصر، مقالة في الكتاب السنوي لعلم الاجتماع، العدد الأول، دار المعارف، القاهرة1980، ص 75.
[26] هيفاء الشنواني، مرجع سابق، ص 22.
[27] محمد عبد الفتاح محمد، مرجع سابق، ص 193-194.
[28] نفس المرجع السابق، ص 195.
[29] نفس المرجع، ص 220.
[30] محمد العربي: المشاركة المجتمعية في المجتمع المحلي، قراءات في تنظيم وتنمية المجتمع الريفي، الاسكندرية، 1986، ص 266.
[31] نفس المرجع، ص 268.
[32] عدلي سليمان: التنمية والمشاركة الشعبية، مجلة تنمية المجتمع، العدد4، أوت 1977، القاهرة، ص 41.
[33] الجمهورية الجزائرية: رئاسة الحكومة، الجريدة الرسمية، العدد5، صادرة بتاريخ 9-02-2000.
[34] وكالة التنمية الاجتماعية، مجلة الوكالة، عدد 4، ماي 2007.ص 5.
[35] محمد شفيق، مرجع سابق، ص 169.
[36] نفس المرجع، ص 171.
* نسبة لكلمة: عرش، كلمة منتشرة كثيراً في الجزائر وهي الكلمة المرادفة لـ القبيلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق